
مُقَدِّمَة بسيطة:
يجب أن نعلم أن الاسم عِلم، وهو أوَّلُ عِلمٍ علَّمَهُ الله للبَشَر، (عِلمُ الأسماء)، قال الله تعالى: (وعلَّمَ آدم الأسماءَ كُلَّها) [البقرة: ٣١].
وبهذا العلم تحديدًا حاجَّ آدم -عليه السلام- الملائكة، (وعلَّمَ آدم الأسماء كلها [ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين] قالوا سبحانك [لا عِلم لنا إلا ما علمتنا] إنك أنت العليم الحكيم [قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون]) [البقرة: ٣١-٣٣].
لذلك فـ الاسم لهُ أهمِّيَّة عظيمة جداً، والكثير مَن يجهل هذا الأمر و يتساهل فيه!!!…فبهِ تعرف المعنى و الحق، و بهِ تفهم كتاب الله تعالى، وبهِ ندعوا الله، ﴿وَلِلَّهِ الأَسماءُ الحُسنى[[فَادعوهُ بِها]] وَذَرُوا الَّذينَ يُلحِدونَ في [[أَسمائِهِ]] سَيُجزَونَ ما كانوا يَعمَلونَ﴾.
ولو أَرَدْنا أن نتكَلَّم في هذا العِلم، لـ احتجنا مقالاً خاصاً له،… ولكن هذه مُقَدِّمَه بسيطة لتبيِّين الأمْر، فإذا قال الله بشيءٍ في القرآن فهويعْنِيه، بِكُلْ دِقَّة و حِكمَة، فمثلاً:
كلمة (نَزَلَ) ليست مثل (هَبَطَ)
وكلمة(بِئْر) ليست مثل (جُبْ)
وكلمة(جَسَدْ) ليست مثل (جِسمْ)
وكلمة (المَسُّ) ليست مثل (اللَّمْسُ)
وهكذا….، فكُل إسم لهُ دلالة خاصَّة بهِ تختلفُ عن غيرها من الأسماء، وهذا بِتَقديرٍ و إِحْكَام مِن الله الحَكِيم الخَبير، ﴿الر [[كِتابٌ أُحكِمَت آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَت مِن لَدُن حَكيمٍ خَبيرٍ]] ﴾ [هود: ١].
ولكن المشكلة أن لِسانُنا العربي الآن ليس كما كان في السَّابق، فيَلتَبِس الأمر على عامَّة الناس، و بِذالك يجهلون الكثير من معاني الأسماءوالآيات في هذا القرآن!!،.. لِذا في هذا المقال سنُرَكِّز على كَلِمَة واحدة من الكَلِمات التي قالها الله تعالى في كتابِه،…و هذه الكَلِمَة لها دَلَالةعظيمة، و أرى بِأنها تهدِم خزعبلات الكثير مِنَ اللَّذين يُحَرِّفونَ الكَلِمَ عَن مَواضِعِهِ!…، لذا أطلُب مِنكُم التَّركيز:
كلمة (الظَّهْر):
❒ـــ لسان العرب — ابن منظور (٧١١ هـ):
ـــ ظَهْر: الظَّهْر مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: [[[خِلافُ البَطْن]]].
و قَالَ الأَزهري: وَهَذَا جَاءَ فِي الشَّيْءِ [[[ذِي الْوَجْهَيْنِ]]] الَّذِي ظَهْرُه كَبَطْنه، [[[كَالْحَائِطِ الْقَائِمِ]]] لِمَا وَلِيَك يُقَالُ بطنُه، وَلِمَا وَلِيَ غَيْرَك ظَهْرُه.
❒ـــ الصحاح — الجوهري (٣٩٣ هـ):
ـــ الظَّهْرُ: [[[خلاف البطن]]].
والظَّاهِرُ: خلاف البَاطن.
والبُطْنان: الجانب الطويل. يقال: رِشْ سهمَك بِظُهْرانٍ ولا تَرِشْه ببُطْنان. [[[الواحد ظَهْرٌ وبطن]]]،مثل عبد وعبدان.
والظِّهَارة بالكسر: نقيض البِطَانة.
❒ـــ مقاييس اللغة — ابن فارس (٣٩٥ هـ):
(ظَهَرَ) الظَّاءُ وَالْهَاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةٍ وَبُرُوزٍ. مِنْ ذَلِكَ: ظَهَرَ الشَّيْءُ يَظْهَرُ ظُهُورًا فَهُوَ ظَاهِرٌ، إِذَا انْكَشَفَ وَبَرَزَ. وَلِذَلِكَ سُمِّيَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالظَّهِيرَةِ، وَهُوَ أَظْهَرُ أَوْقَاتِ النَّهَارِ وَأَضْوَؤُهَا. وَالْأَصْلُ فِيهِ كُلِّهِ [[ظَهْرُ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ خِلَافُ بَطْنِهِ]].
⇦⇦⇦ بإختصار لِكَي لا أُطيل عليكم، كَلِمَةْ [الظَّهْر يُقابِلُها البَطْنْ]، فعندما تنعَتُ جِسماً بأنَّ لهُ (ظَهْرٌ)، [فَلِزاماً لِذالك]⇦ أن يكون لَهُ طَرَفٌمُقابِلٌ يُقالُ لهُ (بَطْن).
ــ كأن تقول: ظَهْرُ الرَّجُلِ و بَطْنُهُ،.. ظَهْرُ اليَدِ و بَطْنُها،.. ظَهْرُ الحائطِ و بَطْنُهُ، وهكذا….
والآن، بعدما عَلِمنَا هذه الكَلِمة وما يُستَدَلُّ مِنها، لِنَدْخُل في صُلبِ الموضوع…
الدَّوابُّ على [ظَهْرِ الأرض]:
في سورة (فاطِر) إبتدأها الله بالسَّماوات و الأرض في قوله تعالى: ﴿الحَمدُ لِلَّهِ [[[فاطِرِ السَّماواتِ وَالأَرضِ]]] جاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلًا أُوليأَجنِحَةٍ مَثنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزيدُ فِي الخَلقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ [فاطر: ١].
وأنهاها بِقولهِ تعالى: قال تعالى: ﴿وَلَو يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِما كَسَبوا [[ما تَرَكَ عَلى ((ظَهرِها)) مِن دابَّةٍ]] وَلكِن يُؤَخِّرُهُم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذاجاءَ أَجَلُهُم فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصيرًا﴾ [فاطر: ٤٥].
تجد أن الله نَعَتَ الأرض بِأنَّ لها (ظَهْر) و أن الدَّوابَّ على ظَهْرِها، وفي آية أخرى قال (عَلَيها): ﴿وَلَو يُؤاخِذُ اللَّهُ النّاسَ بِظُلمِهِم [[[ما تَرَكَ عَلَيهامِن دابَّةٍ]]] وَلكِن يُؤَخِّرُهُم إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُم لا يَستَأخِرونَ ساعَةً وَلا يَستَقدِمونَ﴾ [النحل: ٦١].
قال الله تعالى أن للأرضِ ظَهْر، وهو يعنيها و يعلَمُ معناها و ما يترَتَّبُ عليها…، فنحن على الأرض، و بشكل أدَق في النَّعت كما في سورة(فاطِر): نحن على[[[ظَهْرِ الأرض]]]،… يتساءل البعض على ماذا يدُل هذا؟… نقُولُ له وكما وَضَّحنا سابقاً، أنكَ اذا نعَتَّ جِسماً بأنَّ لهُ(ظَهْر)، فيلزَمُ ذالك أن يكون لهُ جهةٌ مُقابِلَة يُقالُ لهُ (بَطْن)…، اذاً فالأرضُ لها ظَهر و عَلَيْهِ الدَّواب، و سَطحٌ آخر مُقابِلٌ اسمهُ (بَطْن)، وهذا لايكون الّا على أرضٍ لها وجهان مُتَقَابِلان، ولا يَصِحُّ ذالك على أرض كُرَوِيَّة الشَّكل كما يَزْعُم بعض الجُهَلاء الذين يَلوونَ أَلسِنَتَهُم بِالكِتابِ، ويُحَرِّفونَ الكَلِمَ عَن مَواضِعِهِ.
فالشَّكل الكروي جسم محدد [[[بسطح واحد]]]، وليس لهذا السطح أي أطراف أو حدود، وكل نقطة على السَّطح تقع على المسافة نفسها منالمركز ، وهذا كما يقولونهُ هُم بِأفواهِهِم!،…فَمِن الخَطَأ أن تنعةَ الشَّكل الكُرَوي بِأن لهُ ظَهْر أو بَطن!!،.. فكيف بالله تعالى الذي أحكَمَ آياتهُ وهوالحكيمٌ العليم!!!
رُبَّما يأتي شخص “أحمق” و يقول:
” أنَّ ظَهرَ الأرض سَطْحُها، و بَطنُ الأرضِ جَوْفُها”
أقولُ له: هذا لا يصِح، بل لا يقول ذالك الّا جاهِلٌ لا يفقَهُ لِسانَه!!،… فكلمة (ظَهْرْ) بهذا اللَّفظ يُقابِلها (بَطْنْ)
ولـٰكن الكلمة التي تريدُها أنت هي كلمة (بَاطِنْ) و يُقابِلها (ظَاهِر)، كما في قوله تعالى: ﴿وَذَروا [[[ظاهِرَ]]] الإِثمِ [[[وَباطِنَهُ]]]…﴾ [الأنعام:١٢٠]،.. وقوله تعالى: ﴿أَلَم تَرَوا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ وَأَسبَغَ عَلَيكُم نِعَمَهُ [[[ظاهِرَةً وَباطِنَةً]]] ﴾ [لقمان: ٢٠]،.. وقولهُ تعالى:﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ [[[[وَالظّاهِرُ وَالباطِنُ]]] وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ﴾ [الحديد: ٣].
أمَّا كلمة (ظَهْر) تكون للشَّيء ذي الوَجهين،
كما في قولهُ تعالى: ﴿ما تَرَكَ عَلى [[[ظَهرِها]]] مِن دابَّةٍ﴾ [فاطر: ٤٥]،.. يُستَدَلُّ مِنها أن الدَّواب (على ظَهرِ الأرض) و أنَّ لها سطحٌمُقابِل وهو البَطن،…فلن تَهرُب من هذه الكلمة…!!!
وإذا أردتَ آية أخرى عن كَلِمَة (ظَهْر) فخُذ هذه:
﴿وَأَمّا مَن أوتِيَ كِتابَهُ [[[وَراءَ ظَهْرِهِ]]] فَسَوفَ يَدعو ثُبورًا﴾ [الانشقاق: ١٠-١١]
أنت لك ظَهْر صحيح؟… ولَكَ أيضاً جِهَه مُقابل وهيَ بطنُك! أرأيت؟!… قُلتُ لَك، لن تهرُب (؛
وكذالك قوله تعالى:
﴿حَرَّمنا عَلَيهِم شُحومَهُما إِلّا ما حَمَلَت [[[ظُهورُهُما]]] أَوِ الحَوايا أَو مَا اختَلَطَ بِعَظمٍ ذلِكَ جَزَيناهُم بِبَغيِهِم وَإِنّا لَصادِقونَ﴾ [الأنعام: ١٤٦].
﴿يَومَ يُحمى عَلَيها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكوى بِها جِباهُهُم وَجُنوبُهُم [[[وَظُهورُهُم]]] هذا ما كَنَزتُم لِأَنفُسِكُم فَذوقوا ما كُنتُم تَكنِزونَ﴾ [التوبة: ٣٥]
﴿أَلَم نَشرَح لَكَ صَدرَكَ وَوَضَعنا عَنكَ وِزرَكَ الَّذي أَنقَضَ [[ظَهرَكَ]]﴾ [الشرح: ١-٣]
فَقَوْلُكُم بِأنَّ آيات نعت الأرض أنها لا تُعارِض كُرَوِيَّة الأرض، كقولهِ تعالى ﴿وَإِلَى الأَرضِ كَيفَ [[[سُطِحَت]]] ﴾ أنها كُرَوِيَّة و لها سَطح!!! ماهذاإلَّا لَوْيٌ لِألسِنَتِكُم بالكِتَابِ و تحريفُكُم لِلْكَلِم عن مَوْضِعِه،… فعليكُم أن تُسَلِّمُوا الأمر لِقَوْلِ الله كما هو، فهو تعالى أصدَقُ مَن قال، ولن تَجِدَ مِندُنِهِ مُلْتَحَدا.
ركِّز و تَمَعَّن، ولا تَكُن كَمَن قال عنهم الله:
﴿خُذوا ما آتَيناكُم بِقُوَّةٍ وَاسمَعوا [[[قالوا سَمِعنا وَعَصَينا]]]﴾ :
قال تعالى:
﴿وَإِلَى الأَرضِ كَيفَ [[[سُطِحَت]]] ﴾ [الغاشية: ٢٠]
﴿الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ [[[فِراشًا]]] ﴾ [البقرة: ٢٢].
﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ [[[بِساطًا]]] ﴾ [نوح: ١٩].
﴿أَلَم نَجعَلِ الأَرضَ [[[مِهادًا]]] ﴾ [النبأ: ٦].
﴿وَهُوَ الَّذي [[[مَدَّ الأَرضَ]]] ﴾ [الرعد: ٣].
﴿وَالأَرضِ وَما [[[طَحاها]]] ﴾ [الشمس: ٦]
﴿وَالأَرضَ بَعدَ ذلِكَ [[[دَحاها]]] ﴾ [النازعات: ٣٠]
﴿وَالأَرضَ [[[مَدَدناها]]] ﴾ [الحجر: ١٩].
فالأرض كما تراها و تُشَاهِدُها كل يوم!! مسطحة، ممدودة، مفروشة، مِهاداً، و بِساطا…، ثابتة لا تتحَرَّك و لا تميد، بل هي قرار،خاشِعَة، هامِدَة، ممسُوكَة، مُبَارَكَة بالرَّواسي،.. وما بين السَّماء و الأرض هو المُسَخَّر، المُتَحَرِّك.
هذا قَوْلُ الله الذي قال عن نفسه: ﴿وَمَن أَصدَقُ مِنَ اللَّهِ قيلًا﴾!!،… هذا قول الله الذي لا يستحي من الحق، ولا يقول الّا الحق: ﴿وَاللَّهُ لا يَستَحييمِنَ الحَقِّ﴾،
﴿قالَ فَالحَقُّ وَالحَقَّ أَقولُ﴾!!
خِتامًا: ﴿آمَنَ الرَّسولُ بِما أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَبِّهِ وَالمُؤمِنونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِن رُسُلِهِ [[[[وَقالوا سَمِعناوَأَطَعنا]]] غُفرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيكَ المَصيرُ﴾ [البقرة: ٢٨٥].
إنْ أصَبْت فَمِنَ الله، و إنْ أخطأت فَمِنْ نَفْسِي و الشَّيطان، رَبَّنا لا تُؤاخِذنا إِن نَسينا أَو أَخطَأنا…، و السَّـــلَام عَلَيْكُـــم و رَحمَـــة الله وَ بَرَكَاته.
كتابة: محمد القحطاني.
بارك الله فيكم، اسأل الله ان يزيدكم علم و نفع.
إعجابإعجاب